عبد الحكيم أبو اللوز.. شاهد على البؤس الثقافي!!


الدكتور عبد الحكيم أبو اللوز مثقف مغربي معروف، ومن أحسن الباحثين المغاربة في مجال تخصصه، كل المجلات المحترمة ذات المنحى الأكاديمي تعرفه، في المشرق كما المغرب، مثل مجلة وجهة نظر المختصة في العلوم السياسية والاجتماعية، ومجلة أمل المختصة في التاريخ المغربي، ومجلة المستقبل العربي المختصة في الهم الثقافي العام والتحليلات السياسية والاجتماعية والحوارات الراقية، والمجلة العربية للعلوم السياسية وهي ربيبة مجلة المستقبل العربي اللبنانية التي يديرها المفكر العراقي المعروف الدكتور خير الدين حسيب، وكل المنابر الإعلامية كالجرائد والمواقع الالكترونية التي تهم تخصصه تأخذ عنه التصريحات والاستشارات من أجل ملاحقة المعنى للاستفهام حول الظاهرة، وفك طلاسم الإبهام حول الموضوع، أي موضوع تخصصه الذي برع فيه وجعله قامة ثقافية، وشامة إبداعية يعز على من غلغل الفكر وألقى السمع أن يفرط في هذا المثقف الواعد الباحث والدكتور عبد الحكيم أبو اللوز.

صدر مؤخرا للدكتور عبد الحكيم أبو اللوز كتاب " الحركات السلفية في المغرب 1971-2004 بحث أنثروبولوجي وسوسيولوجي" عن مركز دراسات الوحدة العربية، سلسلة أطروحات الدكتوراه (79)، الطبعة الأولى، بيروت، نونبر 2009 ، والكتاب هو في الأصل أطروحة الدكتوراه في العلوم السياسية، وطباعته خارج الوطن، وفي بيروت عاصمة الفكر والثقافة، وضمن منشورات دراسات الوحدة العربية ليس بالشيء السهل ولا المتيسر، فما كان أن ينشر مركز الدراسات العربية بحثا لولا أن صاحبه أثبت براعته وكفاءته وقوته الإنجازية في بحث دام ست سنوات بالتمام والكمال، بعيدا عن الإكليشهات الديماغوجية والمضاربات الإيديولوجية النمطية في التعاطي مع حركات الإسلام السياسي بشكل عام والتيار السلفي على وجه التحديد، فبروز السلفية ،كما يرى الباحث أبو اللوز، لا تعتبر مؤشرا على انشطار عقدي أو مذهبي في المغرب على نحو ما تصوره السجالية المجتمعية، بقدر ما هي تعبير عن بعض مظاهر التحول السوسيولوجي الذي تشهده أنماط التدين في المغرب، فقد غذت النماذج الكلاسيكية للتدين ضعيفة، ولم تعد تمارس دورا معياريا، الأمر الذي يعني أن تلك النماذج هي في الطريق إلى أن تغدو كلامية ومتحجرة، وتتجه شيئا فشيئا إلى فقدان تأثيره، ومن ثم تشكل السلفية محاولة لسد هذا الفراغ، ووسيلة كي يسترجع الدين دوره المعياري، إذ بواسطة هذه المذهبية، وعبر خطابها وأنماط فعلها وتنظيمها ، يجد الدين فرصة للمقاومة والتحول والاستيلاء على مواقع ومجالات جديدة بما فيها مواقع التدين التقليدية. وهذا الرأي نفسه هو ما يذهب إليه الكثير من الباحثين في الحركات السلفية، سواء باحثين عرب كانوا أو أجانب، وهو ما يقره الدكتور محمد الطوزي في تقديمه للكتاب حيث يقول" إن المظهر التقليداني للسلفية ليس إلا وهما. فالموقف التوحيدي الذي يقوم عليه هو موقف حداثي للغاية، بحيث إنه يقترح القطيعة مع الإقليمية والقبلية والأمة، ويعد مناضليه بحياة اليوم وما بعد الموت" ص: 27. والباحث أبو اللوز استعان بأقوالهم وشهاداتهم دون أن يستسلم لها، بل فند بعضها وعضد البعض الآخر بمنهج يجمع ما بين الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا والتاريخ، أكثر من هذا فأن الباحث أبو اللوز أسعفته ثقافة الدينية التي جعلته يتماهى مع بحثه، ويخلص لمنهجه الذي ارتضاه منذ البدء مما جعله يشذب وينقي ويشطب ويتجاوز... حتى استوى بحثه وأثمر خلاصات واستنتاجات في غاية الإبداع، على عكس الباحثين الآخرين الذين تحدثوا عن السلفية بالمغرب وناقشوا أطروحاتهم حول ما قيل في كتب ومطارحات ذات بعد فكراني مكشوف!!

لقد لاحقت الباحث مجموعة من المشاكل والعراقيل وهو يعد أطروحته، لاسيما أن بحثه تزامن مع العمليات الانفجارية لـ 16 ماي 2003 بالدار البيضاء، الشيء الذي جعل الباحث موضع شك من لدن الأطراف التي تم إقناعها بفكرة البحث، أضف إلى هذا لزوم التكيف مع المناخ الطائفي الذي تعمل فيه هذه الحركات، وذلك على المستوى التعبير والمظهري، حتى لا تمثل شخصية الباحث أية عرقلة أمام بحثه، إلى درجة أن جعلت الباحث أبو اللوز يخفي هويته مرارا والدخول في هيئة التابع للتنظيمات السلفية، والبحث عن وسطاء لهم علاقات بالشخصيات والتنظيمات المقصودة بالبحث، وتقصي المعلومات من خلالها، وتغيير دور القرآن حتى يتم التمكن من متابعة البحث الميداني في دور أخرى، مع الانتقال الدوري خشية لفت الانتباه...الخ.

في هذه الأطروحة استطاع الباحث عبد الحكيم أبو اللوز أن يفكك الميكانيزمات التي تؤدي إلى بناء صورة الجهاديين في الداخل، كما يقول الطوزي في تقديمه للكتاب، وذلك عبر مسح عميق للمجتمع، وعن طريق وضع اليد على مؤشرات تعضد أطروحة سهلة، ولكنها مفزعة: التيار السلفي هو وليد مجتمعه !

أطروحة الدكتور عبد الحكيم أبو اللوز، ليست دكتوراه من ورق كما يقال، ولكنها أطروحة تجيب عن أسئلة يطرحها المفكرون في العلاقات الدولية بعد 11 سبتمبر عام 2001، وبسببها ترسم الاستراتيجيات الدولية والخطط الوطنية، لا سيما بعد تكرار العمليات الانفجارية في أكثر من بلد، وفي المغرب أيضا الذي ازداد فيه الجدال بعد أحداث ماي الدامية وما أعقبها من عمليات، وازدادت السجالات بين الفاعلين السياسيين، إلى درجة أن أصبح الكل يود معرفة المزيد عن هذه الظاهرة.

والسؤال: ماذا يفعل عبد الحكيم أبو اللوز الآن بعدما ناقش بحثه وحصل على درجة الدكتور في العلوم السياسية؟ الجواب المحير والمفجع في الآن ذاته : للأسف الشديد ..إنه بائع المواد الغذائية في مدينة مراكش !!

لو كان المسؤولون السياسيون يحترمون البحث العلمي لجعلوه مستشارا في موضوع تخصصه، أو أسسوا معهدا لدراسة الظاهرة وجعلوه مسؤولا عن هذا المركز، ولو كانت الصحف الوطنية تحترم قراءها لجعلته مستشارا أو كاتبا في موضوع الحركات الإسلامية كما تفعل الجرائد الدولية في أوربا وأمريكا، ولو كانت الأحزاب السياسية تحترم البحث العلمي وتود معرفة الظاهرة وإيجاد حلول ناجعة لها حتى تحمي المواطنين من آفة التطرف كما يقولون، لكان الدكتور عبد الحكيم أبو اللوز مستشارا للأمين العام للحزب. ولو كانت المؤسسات التعليمية والمكتبات الوطنية تريد أن يعرف القارئ عن الموضوع لاشترت على الأقل أكثر من 200 ألف نسخة ووزعتها على المرافق العمومية حتى يتيسر للقارئ الاطلاع عليها.. لكن هيهات..هيهات !

الدكتور عبد الحكيم أبو اللوز رجل يحترم نفسه ويحترم تخصصه وينتصر للبحث العلمي، وليس له أي انتماء سياسي حتى يجعله يتبوأ منزلة هو أحسن من يستحقها... لكن يكفيه شرفا أنه شاهد على البؤس الثقافي بالمغرب الأقسى !

n.lechhab@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق